والأوقات المنهي عن الصلاة فيها([1]) خمسة([2]) ؛ وهي : عند طلوع الشمس حتى يتكامل طلوعها وترتفع قليلا , وعند قيامها حتى تزول , وعند غروبها حتى يتكامل غروبها , وبعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس , وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس , والجليل على هذا ما روي : ( أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في ثلاثة أوقات([3]) : عند قيام الشمس حتى تزول , وعند غروبها حتى يتكامل غروبها , وعند طلوعها حتى يتكامل طلوعها , وترتفع قليلا ) نهى في هذه الثلاثة الأوقات عن صلاة التطوع والفريضة , وأن نقضي فيها صلاة , غير أن بعضهم استثنى من ذلك عصر يومه , وصلاة صبح يومه .
ولعل حجتهم ما روي من طريق أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال : ( من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر , ومن أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح )([4]) , فكان عندهم أن من ترك الصبح أو العصر حتى إذا لم يبق في القوت مقدار ما يتمها فيه أن يصلي ويتمها في غروب الشمس وفي طلوعها , والله أعلم .
وأما بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر فما روي أنه قال عليه السلام : ( لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس , ولا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس )([5]) .
واستثنى بعضهم الفريضة أن تقضي بعد صلاة الصبح , وبعد صلاة العصر إذا نسيها , بدليل قوله عليه السلام : ( من نام عن صلاة أو نسيها ؛ فليصلها إذا ذكرها , فذلك وقتها([6]) )([7]) , ولم يخص وقتا دون وقت .
فإن قال قائل : وكذلك يلزمك على هذا العموم أن تجيز الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها , قيل له : الفرق بين طلوع الشمس وغروبها , وبين ما بعد صلاة الصبح وصلاة العصر , أن وقت طلوع الشمس وغروبها وقت معين لا تجوز فيه أصلا , وما بعد صلاة العصر وبعد صلاة الصبح وقت غير معين ؛ لأنه متعلق بالغير وهو الصلاة , فما نهي عنه لعينه أشد مما نهي عنه لغيره ؛ ولذلك استثنى من عموم النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر , وبعد صلاة الصبح , والصلاة المفروضة التي نام عنها أو نسيها , ولم يستثنها عند طلوع الشمس وعند غروبها , والله أعلم .
وحمل بعضهم النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر وبعد صلاة الصبح عن النوافل لا غير . ويعضد هذا الرأي ما روي أنه قال عليه السلام : ( بعد كل صلاة ركعتان إلا الفجر والعصر )([8]) فإنما أراد به النوافل , والله أعلم .
وأما الصلاة التي تفعل بسبب ؛ مثل : صلاة الميت , وصلاة الكسوف , والزلزلة , وما أشبه ذلك , فلا , ويعضد هذا ما روي عن بعض الصحابة([9]) قال : ( نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي في ثلاثة أوقات , وأن نقبر فيها موتانا ؛ عند قيام الشمس , وعند غروبها , وعند طلوعها )([10]) .
فظاهر هذا الحديث يدل أن ما سوى هذه الأوقات يقبر فيها الموتى , ويصلي عليهم , والله أعلم ؛ وكذلك لا تصلى عندهم النوافل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر ؛ لما روي أنه قال عليه السلام : ( لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر )([11]) , وكذلك فيما بين غروب الشمس وصلاة المغرب ؛ لما روي أنه قال عليه السلام : ( بين كل أذانين صلاة إلا صلاة المغرب )([12]) , والله اعلم .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] قوله : المنهي عن الصلاة فيها , ظاهر كلام المصنف أن النهي للتحريم في هذه الأوقات , وعند مالك منع النفل وقت طلوع الشمس ووقت غروبها وعند خطبة جمعة وكراهية بعد طلوع الفجر وبعد أداء فرض العصر إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح , ويصلي المغرب إلا ركعتي الفجر والورد الليلي فإنه يصليهما قبل صلاة الصبح , فلو أخرهما عنها لصلى الفجر عند حل النافلة , وفات الورد وقيد الورد بقوله لنائم عنه ليخرج به متعمدا تركه فلا يصليه قبل الصبح وقطع محرم بنافلة وقت نهي ولا قضاء عليه , وفي قوله ( قطع ) أشعار بانعقادها , انتهى .
وظاهر كلام المصنف عدم انعقادها في تلك الأوقات , حرره , وفي النهي عند الشافعية قولان : قيل للتحريم , وقيل للتنزيه .
وفي الانعقاد قولان , صحح الرافعي والنووي عدم الانعقاد , وعند أبي حنيفة يمتنع عن الصلاة , وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة عند الطلوع والاستواء والغروب , إلا عصر يومه , وعن التنقل بعد صلاة الفجر .
[2] قوله : خمسة , قلت : قال أبو إسحاق باب ذكر الأوقات التي لا يجوز فيها فعل الصلاة قال أبو إسحاق : وثلاثة أوقات لا تجوز الصلاة فيها , وإن قضى فيها فرضا لم يجز , أحدهما : عند قيام الشمس , والثاني : عند غروبها , والثالث : عند طلوعها ثم قال باب بيان الأوقات المنهي فيها عن التطوع ... الخ . قال أبو إسحاق : ثمانية أوقات منهي عن التطوع ... فيها : بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس , وبعد طلوع الفجر إلى ركعتي الفجر, وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس , ووقت ما بين الأذان والإقامة للمغرب , وإذا كانت الجماعة فليبدأ بالمكتوبة وإذا وتر فلا يتطوع حتى يستيقظ من نومه , وإذا كان حاضرا والإمام يخطب للجمعة أو للعيدين أو بعرفة , وكذا للخسوف والكسوف والاستسقاء في القياس , فينبغي له أن يكف عن التطوع حتى يفرغ الإمام .
وكذلك إن دخل مسجدا وقد أقيمت الصلاة فلا يصل وحده فرضا ولا تطوعا حتى يفرغ الإمام , وإذا صلى مع الإمام العيد الكبير فإنه يمسك عن التطوع إلى زوال الشمس , إلا أن يحدث كسوف أو استسقاء فإن دخل في الصلاة وقت الإباحة , ثم دخل وهو فيها لزمه الإتمام , إلا في خصلة وهي أن تقام الصلاة في مسجد وهو فيه مصل فإنه يقطعها , ويدخل في صلاة الجماعة .
وقد قيل عندما يحرم الإمام إلا أن يكون في زاوية منه كالمنقطعة فلا يقطعها , وفي هذا نظر وبعضه بالمعنى , وما ذكره في الوتر أظن في الشيخ إسماعيل خلافه , فراجعه .
[3] قوله : نهى في هذه الثلاثة الأوقات ... الخ , قلت حكى النووي من قومنا الاتفاق على جواز الفريضة المؤداه في هذه الأوقات وفيه نظر لما ذكره المصنف رحمه الله تعالى , وما ذكره المؤلف هو مذهب أبي حنيفة لكن لم يستثن إلا عصر يومه , والله أعلم .
[4] متفق عليه من حديث أبي هريرة .
[5] متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري .
[6] قوله ك فذلك وقتها , قال الربيع رحمه الله تعالى : وذلك في حين تجوز فيه الصلاة , والله أعلم .
[7] متفق عليه .
[8] متفق عليه .
[9] قوله : ما روي عن بعض الصحابة في بعض كتب المخالفين اسمه عقبة ابن عامر في روايته في الشيخ إسماعيل , رحمه الله تعالى .
[10] رواه مسلم عن عقبة بن عامر .
[11] متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري .
[12] رواه مسلم من طريق عقبة بن عامر .